صدفة وأنت لؤلؤة
:
حينما وصفتنى بالصدفة الرقيقة التى
يتكون بداخلها اللؤلؤ رأيت نفسي صدفة ضعيفة، فيها الرقة الهشة التي تغري بالامتلاك،
ورقتي هي ضعفي وأنت تحب ضعفي تحب كلمة نعم، حاضر، أمرك
ولا شيء آخر.
أكملت وصفك وأنت تضحك وأنا اللؤلؤة
التي تتكون بداخلك.
ضحكتك الصفراء أكدت عندي المعنى، وأنا
بيتك الذي يحميك وينتقل معك أينما ذهبت، كم أشعر بضعفي وعزلتي بقربك برغم أنني
البيت.!
أنا البيت الجامد الحجري وأنت الكائن
الحي بداخله.
سعدت بطفل يلهو على الشط حين التقطني
وأخرجني من الماء، مشي بي بطول الشاطيء بعيدا.. بعيدا، وأنت تصرخ بداخلي أوشكت أن
أموت، القمر الآن فى كامل استدارته. نعم أعرف أن هذا الضوء يزيد من سرعتك على
الفناء.
ولكن لماذا تتألم.؟ أنت تموت داخل
بيتك وأنا لا ذنب لي، الطفل هو الذي أخرجني من الماء، فرح بالصدفة ولم يعبأ بك.. لم
ينتظر حتى تتكون لؤلؤة غالية، أنا الأن في طريقي لأزين منضدته على ما يبدو.
سلمنى الطفل إلى أمه، تفحصتني مليا..
صاحت:
الله ما أجملها صدفة لكن بداخلها
حيوان.
آسفة يا حبيبي لقد وصفتك بالحيوان.
أمسك الطفل بعود خشبي أدخله في قلبي لكي
يخرجك منه، مهشما مقطعا إربا.
ما باليد حيلة يا نبضة القلب.. قد كنت
قلبي ونبضي رغم أن الحياة لا تتم إلا بك، قد كنت سمعي وقولي رغم أن الأمور بناصيتك،
وأنا البيت الذى يؤويك ويضمك ويحميك من العبث والبرد، كنت متمردا عليه جاحدا لدفئه،
تنتظر يوم أن يتم تكوينك، لتهجرني وتتمرغ بين أيدى الأثرياء المترفين.
تزين فص أصابعهم، تبرق في تاج رؤوسهم،
تتلألأ فوق صدر عاجي دون أن تعرف عن مصيري شيئا.
شاءت الأقدار أن أعرف أنا مصيرك..
الموت متفسخا، فوق الشط، مختلطا بالرمل، تدوسك الأقدام، وكلما داستك كنت تغوص في
حبات رماله.
ما كنت تعلم كم هو مؤلم ترك السكن،
والبعد عن المكان الذي يؤويك غير الساعة.
لا تظنني شامتة، أنا أتألم مثلك ولكنه العجز عن فعل شيء، كيف أصيح
أتركوه لي، أنا أولى بتكوينه، أنا حضانته وملاذه الآمن، حتى لو تركني بعدها وتمرغ
في النعيم.. صوتي لا يسعفني، عنفك أضعفه.. قوتك وأنت تسحبني وراءك أينما ذهبت،
صوتك وأنت تأمرني بما تريد، وأنا أخفض رأسي موافقة دون بنت شفه، تباهيك بعشيقاتك
أمام عيني وسمعي فأغض الطرف حتى لا يسبب لك حرجا.. كلها أشياء خفضت من علو صوتي من
قدرتي على الاستغاثة لكي أنقذك من مصيرك المؤلم.
أعلم أنني سأمضي باقي عمري دون كائن حي
بداخلي، وأعلم أن في ذلك جفاف أشبه بالموت الذي لاقيته ولكنه مصيري عاجلا أم آجلا، القدر هو الذي عجَّل بالنهاية، والنهاية بهذا
الشكل رغم أنها مخالفة لناموس الحياة إلا أنها القصاص لي من جبروتك وضعفي، من
قسوتك وألمي، من تمردك وصبري، منك كلك على كلى.
ها هم بعد أن نظفوا قلبي منك وضعوني
بين أغراضهم وحملوني إلى بيتهم، أنا البيت أعيش في بيت آخر، في ذل آخر، كرهت حياة
الطاعة لابد من عمل شيء للتخلص من هؤلاء القساة الذين مزقوا لحمك.. لن أدعهم
يعبثون بي بطريقتهم الخاصة، يطفئون سجائرهم في قلبي.. لا إنه مصير أكثر قسوة، لا
حل سوى أن أسقط من يد الصبي فأتهشم.. ألست مثلك لم يكتمل نموى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق