السبت، 1 ديسمبر 2012

ندى البطلة: بقلم الأديبة والكاتبة الصحفية نادية كيلانى

مغامرات ندى : 



1 ـ حقيبة ندى
:
ندى تكتب مذكراتها لأنها تعرضت لحدث تراه جميلا ويستحق التسجيل حتى يكون دليلها طوال العمر.
تقول ندى في مذكراتها:
- في بداية العام اشترت لي أمي حقيبة جديدة، جميلة وغالية الثمن، وقدمتها لي وهي تقول: 
- لأنك بنت مطيعة ومجتهدة في دروسك أرجو أن تحافظي علي مستواك الدراسي والأخلاقي.
ولكن الحقيبة أصابتني بالغرور فكنت أذهب إلي المدرسة متباهية بها علي زميلاتي، وكانت سهير زميلتي في المدرسة تضع كتبها في كيس بلاستيك لأنها طفلة فقيرة، فكنت أعايرها بجمال حقيبتي وغلو ثمنها، وهي لا تبالي.
في نهاية الشهر جاءت شهادتي، كل درجاتي منخفضة، فذهبت والدتي إلي المدرسة لتستفسر عما حدث فقالت لها المعلمة:
- ندى تمضي وقتها في اللعب ولا تستذكر دروسها، وكنت أفضل أن تكون هذه الحقيبة الجميلة مكافأة لها على اجتهادها، لا لحمل الكتب فقط وسببا للتباهي على أقرانها.
قالت أمي: 
- ومن هي البنت التي طلعت الأولي علي الفصل؟
قالت المعلمة 
- الأولي هي سهير. 
فنادت أمي علي سهير وقالت لها:
- أين حقيبة المدرسة.؟
فأخرجت سهير كيسا من البلاستيك وقالت: 
- هذه هي  حقيبتي، مجرد شيء أحفظ فيه كتبي وأدواتي.
قالت أمي: 
- اسمحي لي أن أبدل حقيبتك بحقيبة ندى فأنت تستحقين الحقيبة الجميلة مكافأة لك على اجتهادك كما قالت المعلمة، أما ندى فتستحق مجرد شيء تحفظ فيه كتبها وأدواتها
تقول ندي:
- غضبت واحتججت علي ذلك وبكيت فصممت أمي:
- لا رجوع في هذا الكلام ما دمتِ لم تقدري قيمة حقيبتك والهدف منها، بل تجعلين منها مجرد حافظة لأوراق خاوية لا فائدة منها.
ازداد بكائي، وازداد تصميم أمي، وهنا تقدمت سهير وقالت اسمحوا لي أن أتكلم.؟
فقالت أمي:
- قولي أي شيء غير أنك تعيدين الحقيبة لندى. 
قالت سهير:
- بالعكس سوف احتفظ بالحقيبة ولكن سنجعلها مكافأة للتفوق، نحدد شهرا من الآن فإذا تفوقت ندى في درجات الشهر القادم فسوف أعيد إليها حقيبتها، وسوف أحتفظ بالحقيبة معي حتي تراها ندى كل يوم في يدى فيزيد حماسها وتذاكر باجتهاد.
قالت المعلمة:
- هذه فكرة جيدة أنا أوافق عليها، ولابد أن توافق عليها ندى إذا أرادت أن تسترد حقيبتها.
تقول ندى:
- اضطررت أن أقبل هذا التحدي فالموضوع أصبح إثباتا للذات أكثر من قيمة الحقيبة نفسها..  وبدأت المنافسة بيني وبين سهير، وبدأت البنات يتابعن المباراة يوما بيوم ويوجهن الأسئلة لي مرة ولسهير مرة فتقول سهير:
- أنا كسبت هذه الحقيبة في مسابقة ثقافية لأنني مجتهدة وأقرأ كثيرا، وإذا لم تصدقوا، فأنا مستعدة في أي لحظة أن أدخل مسابقة وأفز فيها.
 لكنك تسكنين في حجرة واحدة مع والديك واخوتك فمتي وأين تذاكرين.؟
فترد:
-  المذاكرة لا تحتاج إلي مكان فسيح ولا إلي هدوء مميت كما تدعون، أنا لا أحتاج لأكثر من المكان الذي يحتوي جسمي أجلس أمام منضدة صغيرة جدا أضع فوقها الكتاب الذي أحتاجه، وعندما أندمج في المذاكرة لا أسمع أي صوت بجواري.
فيقولون لها:
 - وهل إذا تفوقت ندى في درجات الشهر سوف تعيدين لها الحقيبة.؟
تقول:
- علي فكرة أنا لا أحب أن أتزين بحقيبة غالية الثمن ولا بفستان أنيق، وحذاء جميل وعقلي فارغ؛ لأن الأشياء تذوب وتبلى ويبقى العقل، وعلي رأي المثل «العقل زينة»
تقول ندي: 
- كان هذا الكلام يصلني فيزيد من حماسي واقبالي علي دروسي بنهم، أدرس وأحفظ، وأسأل معلمتي وأبي وأمي، وحتي زميلتي دون خجل، والأيام تمر، وجاء الامتحان الذي فيه يكرم المرء أو يهان، فدخلت اللجنة وعيني علي التفوق لا علي الحقيبة، وجاءت النتيجة مفاجأة للجميع، فقد حصلت أنا وسهير علي درجات متساوية، ووقفت المعلمة تقول:
- لقد وقعنا في حيرة، حصلت كل من سهير وندى علي المركز الأول مناصفة فكيف سنقتسم الحقيبة.؟!
قالت سهير:
- الحقيبة من حق ندى لأنها بذلت جهدا مضاعفا.
فتقدمت ندى أمام الجميع، وقالت:
  بل هي من حق سهير لأنها علمتني دروسا عظيمة أهمها قيمة العقل، وقيمة العلم، وأهم من ذلك أن الإنسان يملك الإرادة ويستطيع أن يحقق ما يريد في أي وقت إذا أراد
وهنا تدخلت الأم تمدح سلوك كل من الطفلتين ووعدت ندى بأن تحضر لها حقيبة أخرى جميلة مكافأة لها على تفوقها.
******************
2 ـ ندى والكعب الشقى
:
- أنزلى يا ندى من فوق حذائي ستقعين أو ينكسر الكعب. 
- لا تخافى يا ماما أنا خفيفة. 
أكثر ما يسعد الصغيرة الحبوبة ندى هو أن تقلد أمها فكثيرا ما تجد نفسها أمام المرآة وقد وضعت على وجهها نظارة أمها أو تتحسس رقبتها وهى تلبس عقدها الجميل وتكون فى قمة سعادتها حين تنزحلق قدميها الصغيرتين في حذاء أمها ذا الكعب العالي وتجد قامتها وقد ارتفعت بضع سنتيمترات..ثم.. تأخذ في التنقل بخطوات متأرجحة ومرددة جملتها الأثيرة. 
- أنا أصبحت كبيرة مثل ماما.!
ورغم سعادة ماما بتصرفات البنوتة الصغيرة ندى، وتبتسم وهى تراها تتبختر بالكعب وتدق به فوق الأرض ورغم بقاء أكثر من نصف الحذاء خاليا إلا أن قلبها يدق من خلفها خوفا من أن تسقط على الأرض وتصاب بأذى فتناغيها برقة:
- انتظرى حتى تكبري وتلبسي الكعب العالي.
وترد الصغيرة: 
- أريد أن أكبر بسرعة.
وحدث ما كانت تتوقعه الأم فبينما الصغيرة تتنقل بالحذاء المرتفع جيئة وذهابا حتى تسللت ذات يوم وخرجت من باب الشقة لتجرب النزول به فوق الدرج، وما أن خطت أولى خطواتها على الدرج حتى اضطربت خطواتها ولم تستطع حفظ توازنها فتزحلقت قدميها ووقعت بالحذاء الذي راحت فردتيه تتسابقان هبوطا فوق الدرج وعندما استقرتا كانت كل واحدة منهما قد انكسر كعبها.
صرخت ندى واسرعت الام بحمل الصغيرة وتحسستها وبعد أن اطمأنت عليها، جمعت فردتي الحذاء والكعبين ووضعت الجميع فى كيس بلاستيك وهى تقول: 
- غدا أذهب به  إلى من يصلحه. 
جلست ندى في زاوية من حجرتها صامتة تبدو في الظاهر أنها نادمة على فعلتها، ولكنها في الحقيقة كانت تفكر في هذين الكعبين اللتين انفصلا عن حذاء ماما وقد خطرت لها فكرة طائشة أسرعت بتنفيذها.
 لماذا لا تركب الكعبين  فى حذائها الصغير.؟
راقت لها الفكرة فتسللت حيث الكعبين المكسورين وأخذتهما إلى حجرتها ثم احضرت الشاكوش والمسامير وحذائها الصغير وبدأت تدق.. مرة واثنان وثلاث ولم تفلح في المهمة بل وتعرضت للأذى عدة مرات فما أن تظن أنها نجحت في دق الكعب بالحذاء وتهم بوضع قدميها بداخله حتى تسقط على الأرض تارة، أو تصرخ لأن مسمارا آلمها، أو تجد الكعب وقد انفصل عن الحذاء مرة أخرى.
شعرت الصغيرة بأنها في صراع عنيف مع هذا الكعب المتحرك، وتساءلت ما العمل.؟
ثم جلست واضعة كفها اسفل ذقنها تفكر، وفجأة استعاد ذهنها عبارة أمها وهى تلملم اشلاء الحذاء المتناثرة فوق الدرج وتضعها في الكيس البلاستيك وتقول:
- سوف أذهب به إلى عم رجب ليصلحه.. وهى تعرف عم رجب فهو صاحب محل بجوار بيتها وهى تراه يوميا في ذهابها ورجوعها من المدرسة منكبا على الأحذية يصلحها فتارة تراه يدق وتارة يخيط، وكثيرا ما تذهب إليه بصحبة والدتها ليصلح لها حذاءها أو حذاء أمها. 
فكرت ندى وقدحت زناد ذهنها وصاحت: 
- إنها فكرة رائعة هو عم رجب الذي ينجز لها هذه المهمة الشاقة فهو الذي يمكنه أن يركب لها الكعب في الحذاء ويضبطه جيدا فلا ينخلع ولا يشكها مسمار، والحذاء سيكون محبوكا عليها فلن تسقط من فوقه.   
 اطمأنت الشقية أن أمها مشغولة في إعداد الطعام وفتحت باب الشقة وأسرعت وهى تحتضن حذاءها الصغير وفي كل يد كعب حذاء ماما وانطلقت إلى عم رجب.
ما أن شرحت ندى فكرتها الرائعة التي تخمرت في رأسها حتى انفجر الرجل  في الضحك وهو يردد: 
- هل حقا تريدين تركيب هذا الكعب فى حذائك الصغير.؟
ثم يعاوده الضحك قبل أن يتم جملته.
وقفت ندى تتأمل الرجل وهو يضحك مندهشة ولكنها غاصت بعينيا داخل فمه الذى يشبه الكهف المهجور تعد ما تبقى به من أسنان ودروس. 
بعد أن لملم الرجل نفسه واستطاع أن يتمالك نفسه أجلس الصغيرة إلى جواره وبدأ يشرح لها:
- لا ينفع ما تقولين يا أمورة، فصناعة الحذاء تمر بعدة مراحل كل مرحلة منها مرتبطة بالتى تليها وهناك ما يسمى بالقالب هذا القالب مصنوع من الخشب على هيئة القدم، وهناك قوالب بجميع المقاسات، وهذا القالب هو الذى يدخل في الحذاء بدلا من القدم أثناء التصنيع لكي يشد عليه الجلد والنعل، فإذا أردنا تصنيع حذاء بكعب أخذ القالب شكلا مجوفا بطريقة معينة بحيث يكون في شكل القدم وهى مرفوعة، وفى هذه الحالة عندما يركب الكعب لهذا الحذاء يكون مستريحا، أما فى حالة صناعة حذاء للصغيرات اللاتي سيكبرن غدا يصنع القالب على شكل القدم وهى ملامسة للأرض فلا يصلح بعد ذلك أن يغير هذا الشكل وإلا إختل التوازن وسقطت على الأرض.  
أدركت ندى سبب فشل كل محاولاتها هزت رأسها موافقة ثم شكرت عم رجب، وعادت تحمل الكعبين وتقول فى نفسها: 
 سأعيد الكعبين إلى الحذاء المناسب لهما وما على إلا الانتظار حتى أكبر.
******************
3 ـ عرائس ندى
ندى صبية تحب الرسم.. ترسم عرائس وتلون كل واحدة بلون، وتلبس كل واحدة فستانا مختلفا، وتسرح كل واحدة بتسريحة مختلفة، وتضع لكل واحدة فيونكة مختلفة، وبعد أن أمضت كل اليوم فى رسم العرائس وتلوينها  تنام ندى وبجوارها صفحة العرائس وقد سعدت بما أنجزت. 
لكن العرائس لم تنم مثل ندى سعيدة بنفسها، فكل واحدة لا يعجبها اللون الذى لونتها به ندى، ولا الفستان الذى ألبسته لها، ولا ترضى أي واحدة منهن عن تسريحة شعرها ولون الفيونكة. 
كانت كل واحدة تعترض على حالها وتقول فى نفسها: 
- لماذا فستاني أنا أصفر، ولم تلبسني الفستان الأحمر الذي تلبسه العروسة الأخرى، وتقول الأخرى: 
- أنا لا أحب أن يفرق شعرى من المنتصف وكنت أريد قصة مثل العروسة المجاورة.
والحزام لا يعجب التي تلبسه في حين أن الأخرى تريد حزاما مثله. 
أما لون الشعر فهو محل جدل كبير بين العرائس. 
زامت كل واحدة اعتراضا على حالها وأصبح الهمس جهرا فحدثت فوضى أقلقت ندى وايقظتها من النوم.
لم تغضب ندى لأنها لم تكمل نومها وحلمها الجميل.. بل ابتسمت وهى تستمع لشكوى العرائس.. وعرفت أن كل واحدة تنظر إلى الأخرى، وترى أن غيرها أجمل منها.. قالت ندى: 
- سوف ألبي لكل واحدة منكمن طلبها. 
مسحت ندى الالوان، وبدأت في التلوين من جديد لونت فستان كل واحدة باللون الذى تريده، وغيرت من تسريحة الشعر، ووضع الفيونكة، ثم غيرت لكل واحدة وقفتها، وحركة الأيدى والرقبة فمن كانت تنظر جهة الشمال أدارت رأسها جهة اليمن، فإذا بها ترى عروسة أخرى وتعجيها أكثر من تلك التى كانت على شمالها فتصيح:
- أريد أن أكون مثل هذه. 
وهذا التغيير أيضا لم يرض العرائس، ودارت معركة أشد أيقظت ندى من نومها مرة أخرى، فقررت أن تجعل كل عروسة تنظر إلى الأمام فلا ترى من على يمينها أو من على يسارها. 
لما أعادت ندى رسم العرائس بصورة متساوية فى الشكل، والهيئة واللون ونظرة العين، وصفّت العرائس بجوار بعضها لا اختلاف بينها على الاطلاق، نظرت العرائس إلى بعضها البعض، وقالت الأولى:
- ما هذا الملل كلنا مثل بعضنا البعض.! 
وقالت الثانية:
- أنا لا أحب أن تكون لى شبيهة وقد كنت كذلك من قبل. 
فكرت العرائس أن تعدل من وضعها وشكلها دون أن توقظ ندى، فأخذت كل واحدة  تلون فستانها باللون الذى تحبه، وتضع التوكة، والفيونكة بالطريقة المناسبة لها، وتربط حزامها كل بالهيئة التى تتمنى نفسها عليها.. استراحت العرائس ووقفت كل واحدة سعيدة بنفسها.
 لما استيقظت ندى من نومها، ونظرت إلى العرائس ضحكت كثيرا، لأنها وجدت العرائس كما رسمتها أول مرة.   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق