حبيبتى من تكون
ماذا دهانى وأنا الرجل الوقور المعروف عنى الورع والتقوى
والانتقاد الشديد لهذا المسمى بالنت وغرف الشات أجد نفسى
صريع تلك الغرف معلق من وريدى فى شباك فتاة تدعى "منى"
تلك الفتاة التى غيرت طعم أيامى ولونت أحلامى وسارت فى
مسارات دروبى فاخترقت جدار عنادى، وساقتنى إلى جنة موعودة بحلو كلامها، وسحر
منطقها، وحنانها الذى يبدو جليا من أحاديثها وحكاياتها عن علاقتها بأهلها
وأخواتها.
وحينما صرت على موعد دائم ومحدد معها وصرت لا أشعر بدفء
الشمس إلا بندى صباحها ، ولا بهجة القمر إلا بسحر مسائها،
وبين عشية وضحاها استرجع نغم عذبها فأعيش فى حالة من
الهيام بينى وبين نفسى تجعلنى مكتفيا بذاتى عن الأخرين.. عندها عرفت أننى أدمنت
فتاتى فقررت الزواج منها،
فأنا السعيد الذى فاز بدعاء الوالدين.
هذه الوردة التى يفوح عطرها على البعد لابد أن تنور بيتى
وتبهج أيامى وتحمل اسمى وابنى.
ولحسن حظى أنها من نفس بلدتى ومدينتى، ومناسبة لعمرى
وثقافتى، فلم يحدث هذا التوافق بيننا من فراغ، فأنا الحريص الذى لا يلقى مفاتيحه بسهولة
..
لما فاتحتها فى أمر الزواج.. رحبت جدا وأبدت سعادتها
التى غمرتنى بهجة وطربا.. وبعد فترة من إلحاحى.. قالت:
- أخبرت أهلى.. وهم يرحبون بك، ومواصفاتك تروق لهم،
ويريدون بياناتك قبل أن تتقدم لكي يسألوا عنك.
أعطيتها البيانات ولم أتكحل بنوم من فرحتى وتمنياتى بقرب
اللقاء، أما عن سؤالهم عنى فهذا حقهم، وأنا كلى ثقة بأنهم سيجدون شابا مهذبا له
سيرة نظيفة وجيدة، وتحلم به كل أسرة محافظة زوجا لابنتهم.
طالت فترة السؤال عنى ولكن النتيجة كانت مرضية قالت:
- أهلى سألوا عنك ووجدوا ما يثلج صدورهم.
- ومتى أتقدم..؟
قالت:
- قريبا
وأين العنوان بالضبط .
- عندما أحدد لك الموعد سأعطيك العنوان.
واستمرت العلاقة على الشات وإن أخذت شكلا مختلفا أكثر
جمالا وقربا.
العلاقة الأن تنحو نحو عش الزوجية والمهر والشبكة وقائمة
المنقولات وترتيبات الفرح والمعازيم، الغريب أننا لم نصطدم ولو مرة واحدة، ولم
نختلف فى أى تفصيلة صغيرة ولا كبيرة من هذه الأمور مما كان له الأثر الايجابى على
وزاد من تعلقى بها ورغبتى الشديدة فى سماع الزغاريد
والتهانى، وصارت رغبتى ملحة فى أن يضمنا البيت.
وظلت شجرة الأمل تمد فروعها فى جذور حياتى وتتفرع وتنبت
وردا وزهورا فيفوح عبيرا وماء مقطرا .. ولكن هناك دائما عتبة التسويف:
- لماذا يا
حبيبتى هذا التأجيل قالت:
- ماما مريضة بالقلب، ومن يوم لأخر تدخل المستشفى
وحالتها لم تستقر بعد.
إذا لابد من الصبر والانتظار حتى تستقر حالة حماتى وتفرح
بابنتها،
وكانت لهذا السبب تغيب كثيرا بالاسبوع أو بالعشرة أيام عن
المسنجر وتعود بقول واحد:
- كنت فى المستشفى مع أمى .
صار لسانى يلهج بالدعاء لهذه الأم الطيبة التى
أنجبت حبيبتى وربتها بهذه الصورة الرائعة، وأدعو لنفسى أن تتم سعادتى بفتاتى
النادرة والحنون.
فقد زاد من اعجابى بها برها الشديد بوالدتها
وحرصها عليها
بالتأكيد هذه ستكون أفضل أم وأجمل زوجة ويالا
سعادتى بها.
طال غيابها هذه المرة.. لعله الخير.
وأشحت عن رأسى فكرة أن تكون أمها قد توفاها الله..
فهذا معناه حزن حبيبتى وتأجيل لقائنا الذى أنشده
بكل كيانى.
وطال الغياب أطول مما أحتمل.. المسنجر مغلق.. هناك
فى شاطيء النور ظلام ووحشة، وفى الأمل ريبة وحيرى، وفى السعادة التى كانت قاب
قوسين أو أدنى نعيق البوم..
أين حبيبتى.. أين حلمى.. ومن تكون بالضبط.. أنا لا
أعرف سوى اسمها وأنها من مدينتى، وأنهم سألوا عنى وارتضوا بمواصفاتى.. وماذا بعد..
وكيف السبيل إلى السؤال عنها وتلقف أخبارها.
عام كامل لم يهدأ لى بال ولم يستقر بى حال، ولم
يغمض لى جفن ساعة كاملة إلا واستيقظت فزعا..
ووجدت سلوتى فى رسائلى إليها على المسنجر
والايميل..
(أين أنت يا حبيبتى يا أعظم وأغلى إنسانة
عرفتها ..
لك ذوق وحرص وحب وغيرة وخوف على حبيبك.. أين الأن حرصك على لقائى وقربك
منى، أين لهفتك إذا تأخرت قليلا.!
كنت أحسد نفسى عليك وكثيرا ما قلت هل أنا استحق حبها الكبير، وشوقها الذى
ليس له مثيل..
أين الإنسانة فى الكون التى تساويك يا أعز الناس، أو تنافسك فى صفاتك
البريئة والشفيفة.
ربنا يحميك ويصونك وتعودين إلى بحبك الكبير.
حبيبتى النار التى بداخلى لا يطفئها إلا وجودك فأين أنت ولماذا الغياب؟، لا
أذكر أننى أغضبتك أو صدر منى ما يزعجك ومع
ذلك أعتذر إذا كان بدر منى ما أغضبك..
حبيبتى عودى واغفرى لى زلتى التى لا أعرفها المهم أن تعودى ممتلئة بحبى.
كل يوم سؤال وعتاب وشرح لحالتى بدونها.. ووصف
لكآبتى، وتدهور لصحتى، وإهمال لعملى، وفتور علاقاتى.. وليس على لسانى سوى أين أنت يا
حبيبة الروح.
بعد عام.. وجدت شخصا يريد قبول
إضافتى عنده.. فوافقت.
- من أنت ..؟
- أنا من أشفقت على حالك وأردت أن تهدأ بالا.
وكانت المفاجأة .
- أنا شقيقة من تدعى منى.
وبلهفة مجنونة وأين هى.
-
ماتت .
-
لا .. لا غير معقول.. لا أصدق .. كيف..؟! ولماذا ؟! ومتى؟!
- كانت مريضة بالقلب وماتت.
- قالت إن والدتها هى المريضة بالقلب.
- بل هى ولم تشأ أن تزعجك.
- لقد صنعت منى سندبادا وشهريارا، فإذا بى شمشون الذى
سلبته قوته وتركته نهبا للضياع.
- كانت تحبك وتريد أن تعيش الحلم وهى تعلم أنه لن يتحقق.
- هى عاشت الحلم وماتت، وأنا أضاعت منى الحلم
والعمر دون موت..
- .................
من أدرانى أنها أحبتنى أصلا، وأنها لم تخلق هذا
الوهم لكى تعيشه مع نفسها.
قالت:
- الشيء المؤكد أنها أحبتك أما غير المؤكد هو
اسمها.
وأغلقت فى وجهى.. إلى الأبد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق