الأحد، 4 نوفمبر 2012

السباق العالمي: قصة بقلم الأديبة والكاتبة الصحفية نادية كيلانى


السباق العالمي
نام المواطن  الأمريكي يوم الاثنين، وعندما استيقظت في الصباح الباكر،
وقطع أحدهم ورقةً من مفكرة الحائط، فوجِئ بأنَّ اليوم الأربعاء.
سأل من حوله: ما يجب أن يكون اليوم؟ قالوا: الثلاثاء.
شَهِقَتْ تلافيفُ مُخِّه وزفرت، ولكن التقويم يشير إلى الأربعاء!
لا بد أنَّ هناك خطأً ما.
ولكن مُذيع التليفزيون يقول: الآن نقدِّم لكم أخبار الأربعاء.
ما زالت تلافيف الدِّماغ تتقلَّص.
اندفع إلى المذياع يقلِّب محطَّاته وهو يردِّد:
معنى ذلك أننا نِمْنا يومًا ونصف اليوم.
أكَّدت الإذاعة أن اليوم الأربعاء، فكان لا بدَّ من الخروج
من هذا الحيِّز الضيِّق إلى عجيج التجمُّعات البشرية،
ونقيق ضفادعها.
وما أن وَطئ الشارع، حتى شعر بالأزمة على أتُّونها،
التساؤل عام، والبلبلة تملأ الأذهان، سمع من يتساءل:
كيف ننام كأهل الكهف؟
دقَّق فيه، إنه مزدوج الجنسيَّة المسلم.
المصالح والشركات مرتبكة الحركة،
الوضع غير عادي، فإذا ما اطلعوا على الوقت في العالم الثالث،
وعرفوا أنهم في يوم الثلاثاء، زادت دهشتهم وحيرتهم.
ماذا حدث؟! والأخطر: لمن يتقدَّمون بشكواهم؟!
لم يطل الوقت، الإعلام الأمريكي الديمقراطي الذي يمدُّ الشعب
بخيوط الحقيقة مهما تعقَّدت،
حلَّ اللغز بإعلانه عن استضافة رئيسهم الجديد
صاحب الفكر الألمعي.
تململ كثيرًا وهو يستمع للرئيس يقول:
نحن الدولة العظمى، نحن السبَّاقون في كلِّ مناحي الحياة،
نحن أول العالم،
لقد وعدتكم في برنامجي الانتخابي أن نكون الأسبق دائمًا،
فكيف تسبقنا شعوب العالم الثالث بالزمن؟!
كيف يستقبلون اليوم الجديد قَبْلَنا بعدة ساعاتٍ؟!
من فعل هذا الجُرْم بحقِّ قارتنا المعظَّمة؟!
حبس أنفاسه كباقي البشر يحبسون أنفاسهم،
وقبض الطير أجنحته عاجزًا عن الحركة،
بينما الرئيس يكمل:
وها أنا أفاجئُكم بالأمر،
فكما أن الإنجازات العظيمة تبدأ فكرةً في الرأس،
ثم تُدْرس وتتحقق على أرض الواقع؛
فعلى مراكز البحث والفلك والجغرافيا،
والمهتمين بخطوط الطول والعرض:
أن ترتِّب نفسَها وتعدَّ أوراقها،
وتعيدَ حساباتها وتخبر الدنيا بالتوقيت الجديد.
زاغ بصره ولفت رأسه مع الإذاعات،
وهي تعلن عن رفع حالة التَّأهُّب القُصْوى
في مراكز البحث الأمريكي،
مستعينين (برزنامة) العالم وتواريخ البشر.
وهرجت مراكز الأبحاث بعلمائها ومَرجت بمساعديهم،
وسكن الجميع حول موائده المستديرة والمستطيلة،
ثم زفروا زفرةً كإشارةٍ للبدء.
لم تنتظر الناس في قارة أمريكا، ولا في أيِّ مكانٍ من العالم
رأيَ العلماء، ولم يصبروا على أتُّون الحَيْرة حتى تأتيهم الأخبار؛
بل صاروا يتكهَّنون ويخمِّنون، ويراسلون بعضهم بعضًا،
مبدين وجهات نظرهم.
رسائل النت صافَّات ويقبضنَ في رحلات مكوكيَّة
بين مؤيِّدٍ، ومعارضٍ، وبين بين.
يقول الأمريكي المتعصِّب:
لنا الحقُّ أن نسبقَ، نحن أَوْلَى بتعديل الزمن،
وقد عدَّلناه بالفعل، واخترعنا (الفيمتو ثانية).
تأتى فورًا رسالة المصري متفاخرًا:
الفيمتو جاء من عقليةٍ عربيةٍ مصريةٍ.
وقرأ جملةَ العراقي وهو يلوح بالحذاء:
نحن من علَّم البشرية الحضارة، وأوَّل من أهدى (شرلمان)
ملك فرنسا الساعةَ، فارتعب منها.
رسالة الأفغاني من خندقه تقول:
وإن سبقوا الزمن، نحن المجاهدون الذين قهرنا السوفييت
والأمريكان، السيف أصدقُ أنباءً من الكُتُب ومن الزمن.
ولم يقف الإسرائيلي المتفرعِن متفرِّجًا، بل أرسل يستنكر:
هل جُنَّت أمريكا وصارت سيدةَ الزمن بلا منازع،
وقبل أن نأذن لها، لا بد من أنها تقصدنا بهذا الفعل؛
لأننا من سُكَّان المنطقة العربية.
فلتجنِ نتيجة تصرُّفها حسرةً.
ولما فضَّ رسالة الفلسطيني، وجده يتَّهمُ إسرائيل
بأنها من المخططه، وأن هذا ضمن بروتوكولات صهيون،
أكمل وهو ينحني ليلتقط حجرًا، لن نترك المقاومة وسنبقى.
ويتشف السعودي برسالةٍ جاء فيها:
أنا أفكِّر في الموضوع من زاوية مغايرةٍ تمامًا،
هل لهذه الظاهرة أصلٌ في القرآن الكريم؟
يضحك الأمريكي بنصف ثقةٍ:
كل عِلْمٍ نخترعه يجدون له أصلاً في قرآنهم،
حقيقي أنه يصفُ مراحل تطور الجنين في كلماتٍ معدوداتٍ،
ونحن نفني أعمارنا في بحث ومراقبةٍ، ويتنبَّأ بصعود القمر ويحكي عن انشقاقه قبل مئات من التجارب والفشل،
ومع ذلك فليس له حيلةٌ في هذه المفاجأة.
راحت إيميلات النت ورسالات الماسنجر بالتفسير الديني
وعادت بمفاجأةٍ جديدةٍ.
فجَّرت الصين خبرًا أذهل الجميع،
وها هي ذا تحذِّر أمريكا من مغبة فعلتها:
برغم الصراع التكنولوجي بيننا وبينكم،
إلا أنه من واجبنا أن نقدِّم لكم النصح،
فَرْق اليوم هذا سيؤخِّركم عنَّا عشرات السنين،
يوم بلا عمل، يوم بلا ملامح، وليست النصيحة خالصةً لمحبتكم،
إنما رغبة ليظلَّ الصراع مستمرًّا، والحافز على الإنتاج موجودًا.
التقط مركز أبحاثهم الفكرة وحسم رأيه:
نعم، نحن نتقدَّم كلَّ دقيقةٍ وساعةٍ، وكل فيمتو ثانية،
وندوِّن منجزاتنا لحظةً بلحظة،
وفي هذه الحالة سيحاسبنا التاريخ عن هذا اليوم،
كيف سقط دون مبرر أو منجز؟
وما أن وصلت مجموع الآراء إلى صاحب الفكرة الاستباقيَّة،
حتى جفَّ حلقه، وعقد لسانه،
فأعلن بالإشارة والهمس عن سحب فكرته و.. قَطَب.
..............................................................

ـ نُشرت فى موقع دنيا الرأى على الرابط التالى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق