الاثنين، 19 نوفمبر 2012

امرأة مثالية: بقلم الأديبة والكاتبة الصحفية نادية كيلانى


امرأة مثالية

ظل حبيبي مدة طويلة إلى أن دخلت حياتنا تلك السمراء الجذابة.. انضمت إلى فريق العمل فى مؤسستنا، وخصتنى أنا وهو من بين الزملاء بصداقتها.. بهرت أعيننا بسمرة طمى النيل التى أتت من بلاده، هيفاء كامتداده فى طول أرض مصر.. صافية كصفاء مائه، ورقراة، عذبة كعذوبة طعمه وترياقه، خضراء الثوب كخيره الممتد على ضفتيه، مروية من جبين ذوى السواعد العفية.. حورية فى ثوب امرأة، فكيف لا يحبها..!!
 أحببتها أنا أيضا.
كنا عصفورين مغردين ليس على شجر ولكن على ضفاف النيل الذى تواعدنا معه أسبوعيا، كانت نظراتنا تتجه فى آن واحد ناحية الجنوب، حكينا كثيرا عن المارد الواقف هناك ببوباته الست يأتينا الخير من ورائه.  كأننا كنا نناديها.. وأتت تحمل سنابل حكايات وأساطير أسوانية فرعونية نوبية سودانية فى مزيج يأخذ بالألباب، مع قدرة على السرد تتملك الاحساس، نستمع بعيون مفتوحة وأذان صاخية، ورأس كأن فوقه الطير.
ما اسم الصبية..؟
اسمها يحمل كل الزهور ويخلطها ويكثفها فى قنينة مزركشة مجزعة محكمة الغطاء.. ما أن تُفتح ينتشر عطرها فى المكان يشنف الأنوف لا الأذان ويتغلغل داخل الروح والوجدان ويداعب الأعصاب والدماء، هل أنتم فى حاجة لمعرفة أنها عبير..!

سعدنا بصحبتها وصداقتها، وسعدت بنا .. ثلاثتنا سعيد ولكنه أراد أن يستأثر بالعطر وحده، بالسحر وحده، بالخير وحده.

اختلفت مواعيده، بدأ يتهرب من لقائي لما عرفت السبب لم أغضب..!!
ببساطة لأن السبب هى.. تصورا.
والحكاية تبدأ يوم أن قال:

-  أسف يا عزيزتى ستذهبين إلى البيت وحدك، سيارتى فى التصليح، وأنا ذاهب إلى الميكانيكى لأبقى بجانبها.
لا بأس فالعذر مقبول.

وفى اليوم التالى قال:
ستذهبين وحدك اليوم وغدا وبعد غدا.. السيارة تحتاج وقتا طويلا.
أيضا لا بأس.. ولكن فى اليوم التالى جاءت صديقتنا لتخبرنى أن "عادل" جزاه الله خيرا أوصلها بالأمس بسيارته..

تبسمت ومدحت لها شهامته وحسن أخلاقه .. تصورا..!!

لم يجد بعدها كثير عناء فى التخلص منى فقبل موعد الانصراف أكون قد سبقت إلى الخارج
قبل أن يتلفت حواليه ويفكر فى عذر يتملص به منى، وقبل أن تدور عيناه بينى وبينها، ويفرك كفيه، ويعدل من ياقة قميصه.. و.. و..  ما حاجتى لأكاذيبه وهى تحكى لى الحقيقة:

-       بالأمس جلسنا على ضفاف النيل، كان ينظر ناحية الجنوب من حيث أتيت .
اهتف فى داخلى:
"رائع هو دائما ينظر إلى الجديد"
لماذا لا تردين..؟

-       اسمع وأتخيل منبع الماء المتجدد.
-       أول أمس صعدنا جبل المقطم.
-       عظيم.. الصعود متعة.. ومنظر القاهرة من فوق الجبل ساحر.
تكمل:

-       ظل يحكى لى عن وحدته وحاجته إلى عقلى.. و.. لماذا تبتسمين..؟
-       ابدا أفكر فى وحدة الرجال الدائمة.
-       ماذا تقصدين..؟

واسقط فى يدى.. هل بدأ كلامى يأخذ شكل التحذير لها؟ هل هى الغيرة أم الخوف عليها؟
رنت الجملة الأخيرة بداخلى.. خوف عليها!! ممن ..؟ عادل ..!! نعم الرجل هو .. وإذا كان يشكو الوحدة فلابد أنه يشعر بها..

 الغريب أننى لم أحاول استعادته.. رغبت فى متابعة تجربة حبه الجديدة تولد حية على يدى..
تعطفت صديقتى وسألتنى:
-       ما هى أخبار زوجك..؟
-       يشكو الوحدة.
-       لماذا لا تحاولين ملء حياته..؟
-       ليس بى رغبة.
-       وتتركينه نهبا للوحدة..؟
-       هو يحاول مع نفسه.. يجلس على ضفاف النيل ويصعد المقطم.
تبتسم وتقول:
-       أما أنا فعندما أتزوج "عادل" لن أجعله يشكو الوحدة أبدا .
-       ربما.
-       هل زوجك يعرف امرأة أخرى..؟
-       نعم
-       وتسكتين.
-       ماذا أفعل..؟
-       تـثورين وتقلبين الدنيا.
-       لا أرغب.
-       لا أرغب.. لا أرغب.. هل مللته.
-       ليس تماما.
-       أما أنا فعندما أتزوج "عادل" فلن أمل منه أبدا.
-       هذا حقيقى.
-       وكيف عرفت أنه يعرف امرأة أخرى..؟
-       حاسة المرأة.. أسمعت فايزه أحمد وهى تقول:

" إنى أراها فى جوار الموقد.. أخذت هنالك مقعدى فى الركن ذات المقعد.. وأراك تمنحها يدا مثلوجة ذات اليد.. ستردد القصص التى أسمعتنى.. ولسوف تخبرها بما أخبرتنى.. وستجرع الكأس التى جرعتنى.. إلى آخره"

-       اتعجب من أمرك ..!! تعرفين كل هذا وتصمتين..؟
-       دعينا منه واحكى لى عن الحب.
استمر الحال يا اخوانى مدة ليست بالقليلة أضاع خلالها معالم السيارةتماما ثم قال لى بعتها، وقالت :

-       غير سيارته بأخرى فى لون عينى..
-       لون عينيك لا يوصف .. كيف عرفه..؟
ضحكت :
-       كانك رجلا يغازلنى.
-       الجمال يغازله المتذوق له.
-       تريننى جميلة إلى هذا الحد.

عذرته بالطبع .. كيف يظهر سيارته أمامى ويضطر لتوصيلى والتأخر عليها.. ثم أن الدقائق التى أغادر فيها قبله وعدم سؤاله عمّ أخره أراح ضميره من البحث عن الأكاذيب.
والحب لابد أن يتوج بالزواج.. استطاع بسحر الرجولة أن يستوعب الأسطورة..

جاءت بأصبع متلأليء.. قالت:
-       انظرى كم هى جميلة..
-       الأجمل أن اسمه عليها.
-       بالضبط.. أجمل دبلة فى الوجود.
-       انت وقعت على رجل ليس له مثيل.

وتعجبت من نفسى.. حتى هذا لم يـثيرنى.. نظرت إلى يديها فى حيدة ومباركة حقيقية.. تأملت جمال أصابعها بفرحة تناسب صديقة عزيزة أتمنى لها الخير.. وشعرت بمدى تعاستها لو صحت على الواقع.. لا سأربأ بصديقتى من هذا الواقع..
-       مبارك يا عبير تستحقين الخير.
-       ليتنى استحق "عادل"
-       متى الفرح إن شاء الله..؟
-       قريبا.. قال عنده بعض المشكلات سينهيها قريبا.
-       لا ليس عنده مشكلات على الاطلاق اطمئنى.
-       كيف عرفت..؟
-  هو زميل قديم، وأعرف عنه الكثير من أمه، أوصيك بكوب العصير فى الصباح، وبفنجان القهوة المضبوط فى الظهيرة، وبكوب الزبادى فى العشاء.
-       هل ستكلمينه لينهى مشكلاته بسرعة..؟
-       نعم هذا ما سأفعله.. المهم أريدك أن تطمئنى.
-       والمطلوب منى.
-       تقولين لى أين يركن سيارته .
-       ها هو مفتاحها  أسبقه إليها حتى لا يشعر الزملاء.
عندما جلس أمام مقود السيارة واكتشف أن التى بجواره أنا كاد يغمى عليه.. لحقته بزجاجة عطرى.. رششت عبيرها أمام أنفه حتى استرد عافيته وقلت وكلى راحة لا أدرى مصدرها:

-  عبير نعم الزوجة، هى تحبك أكثر منى وتستحق مثلك، وقد وعدتها أنك ستنهى مشكلاتك بسرعة، لذا سنذهب الآن إلى المأذون .
آه نسيت اخباركم أن "عادل" زوجى .. تصورا
ولكن لا تظلموا صديقتى هى لا تعرف أن زواجنا عرفى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق