الأحد، 4 نوفمبر 2012

زهرة الحب لمن: قصة بقلم الأديبة والكاتبة الصحفية نادية كيلانى


زهرة الحب لمن
هــى :
ظل طائر الفشل ينقر فى جدار عش زيجتي المنكوبة،
حتى استخرج منه القذيفة الأخيرة التى انطلقت فى وجهى منذ دقائق:
"أنت طالق".
ولم أفاجأ بالكلمة كما حدث أول مرة، وكانت أخف قليلا فى المرة الثانية،
أما هذه المرة فربما لأنني كنت أتوقعها وأنتظرها، فلم ترتجف جفناي
ولم تصدر عنى شهقة، ربما أكون قد تبسمت لا أذكر، كما لا أذكر
كم مرة كررت هذا السؤال على نفسى:
كيف وأنا الأديبة الشاعرة الرقيقة المهذبة بشهادة الجميع أفشل في زيجتي!!
وهذا الذى خرج لتوه من إهاب الزوج ليدخل فى إهاب طليقي.
أتذكر نفسي حين قلت لزميلة الدراسة:
عندما أتزوج سأكون موفقة فى حياتي، لى قدرة على التكيف مع أى شخص
بأى طباع. أعرف متى أتكلم، ومتى أصمت، ومتى أشد، ومتى أرخي.
ولكن ماذا عساى فاعلة مع زوج لا يقدر على ضبط زوايا عينيه
فتأخذ كل أشكالها الحادة والمنفرجة، وراء البيضاء والسمراء والتركوازية،
الرائحة منهن والغادية.
رقة مشاعره تضطره لأن يستقبل دموع السمراء بحضنه،
وكرمه الزائد يضطره لأن يناول الشقراء حافظته،
وانسانيته المفرطة تجبره لأن يسكب للهيفاء
من حبره فوق بياض أوراقها ويزينها باسمها،
وتتمة للجود يقدمها بنفسة لوسائل الاعلام، والنقاد.
المهم أن كلهنّ يجدنّ فى قلبه متكأً يستندن عليه حتى ينعسنّ.
وهو يفعل ما يفعل فى وجودي، ولما قلت له بهدوء:
- إن هذا يجرح كرامتي قال بالهدوء نفسه.
وكيف أغض طرفى أهو أعمى *** وكيف أرد قلبى أهو صلب
الأبيات لشاعر غيره حتى يفهّمني أنها سنة متبعة من قديم، ولم يبتكرها.
ولأنها توافق هواه يرددها ويغنيها ولكل بيت فيها مناسبة عنده،
فحين يغازلني يمنّ علىّ بباقي الأبيات.
تخذتك دون هن هوى مقيما = له بيت وناصية ودربُ
وبعتك عشرتى ووهبتك اسمى = ولى مهم ارتحلت إليك أوبُ
وأما الأخريات فهن كأسى = من الالهام أشربها وحسبُ*
كم هو كريم أن وهبني اسمه، وكم هو يحتاج لشرب كؤوس الإلهام
من شفاة الفتيات والسيدات، وأنا استجلب كؤوس الإلهام من الخيال وحسب.
أطلق قذيفة الطلاق الأولى عندما قلت قصيدة فى محفل وأعجب بها النقاد
وأشادوا بقدرتي على التسامي بالمعاني مما يسمو بالروح
وأن قصيدتي أشعر من قصيدته التى تعتمد على الوصف الحسي
واستخدام ألفاظٍ عفى عليها الزمن.
ورغم أنني تجاهلت الأمر تماما خوفا من توتره وهو يقود السيارة،
إلا أنه ظل يكرر كلام النقاد مع وصفهم بالغباء وعدم القدرة على التمييز، وأثاره إلى حد الهوس أنني صامتة فطلب مني الكلام فقلت متحفظة:
- لا تلتفت لرأى النقاد لك الحرية في تناول الموضوعات.
فإذا به يثور أكثر ويقول: تسخرين مني تظنين نفسك شاعرة أنت لا
شيء.. لا شيء على الاطلاق.. "أنت طالق".
ثم استدار فورا بالسيارة حتى رمى بي عند باب بيت أهلي، وانطلق عائدا..
قبل مولد اليوم الجديد جاء يبكي ويعتذر ولم أدعه يستجدي كثيرا، سامحته.
القذيفة الثانية كانت أعجب..
شاهدته يغازل امرأة وهى لا تستجيب وهو لا يكف،
ربما كانت متحرجة من وجودي،
همست فى أذنه سأغادر الحفل حالا حتى تأخذ راحتك.
تحير كيف يتصرف ثم قرر أن يمشي معي
وظل صامتا طوال الطريق حتى لا يكرر ما حدث من قبل،
وفور أن دخلنا من باب الشقة حتى اندفع:
- تتفننين فى استفزاي، ما معنى أنك تمشين وتتركيننى،
ولماذا أتيت معى إذا؟
"يا الله هل أذكره أنه الذى ألح على كي أذهب معه..!!"
"هل أذكره أنني اشترطت عليه احترام وجودي أو يذهب وحده..!!"
ورغم أننى لم أذكره ولم أوبخه ثار واندفع :
- نظراتك لا تريحني كأنك تقولين مجنون ألح عليّ بالحضور ثم يقول لماذا أتيت؟
"الحمد لله أنه يدرك وحده ولكن متى يصمت لا أحد يعلم".
ظل يعدد محاسنه وقدراته، ويقول: أنا.. وأنا..
ولما تحول ضمير الأنا إلى أنتِ ظل يعدد مساوئي،
حتى صدّق نفسه، واكتشف أنه كثيرٌ على فقال:
"أنت طالق".
لما تفوه بالكلمة وضع يده على فمه من المفاجأة !
ولكن هيهات لقد انطلقت وسجلت كما انطلقت منذ دقائق قذيفته الثالثة.
وفعل نفس الشيء.. ظل يعتذر ويوبخ نفسه وأنا صامتة لا أكترث
ثم نهضت وأخذت أستعد لحفل الليلة، وأنا ألقى عليه أوامرى،
فى الحفل لا علاقة لك بي تذّكر أنك طليقي لا زوجي، لا تنسى غدا تتمم إجراءات الطلاق.. فيها سجن لو تأخرت.
جثم على ركبتيه يرجوني أن نظل زوجين أمام الناس، ونذهب إلى الحفل معا..
وافقت.. هل أضيع على نفسي حفل الليلة المميز، وأجلس لأندب حظي!!.
قررت أن أنتقى من الحفل زوج المستقبل، وعلى مرأى منه لأكيل له الصاع صاعين.
وهذا الذى يرشقني بنظراته على حذر منذ زمن،
كان أول من تبسمت له فاندهش وأخذ يتلفت يمينا ويسارا،
فلما تأكد أنه المقصود أرسل ابتسامة صغيرة خجلة مع إمائة، فانتقلت إلى جواره.
دار الحديث هسيسا بيننا، ولما وجدته متحرجا
أخبرته أنني بائنة من زوجي منذ ساعة فقط .
رفع تصريحي هذا عنه الحذر كما رفع درجة حرارته،
وأخذ يبثني أشواقه ومشاعرة التي يختزنها منذ أول يوم رآني..
ووجدت فيه لطفا ومرحا وذكاء، حتى قال:
كلما رأيتك فى حفل كنت أسميك بينى وبين نفسي سيدة الحفل الأولى،
قلت له:
وأنت اليوم فتى الحفل الأول.
- هـــــو :
كيف تتصرف هذه المرأة بهذه الحماقة مع هذا الرجل،
وهكذا أمام الناس وفى وجودي، صحيح أنني سقيتها
من الكأس نفسه مرارا لكنني رجل..!!
وصحيح أنها ليست زوجتي الآن لكن الناس لا تعلم هذا،
ثم أن هذا الطلاق لا يقع لأنني لم أكن فى وعي،
غدا سأذهب إلى المفتي وأقول له:
لم أكن في وعي أنا كثير الحلف بالطلاق وهذا لا يوقعه.
مالي لا أجد فى نفسي القدرة على النظر إلى غيرها،
لم أجد فى الحفل أجمل منها، ولا أرشق،
هكذا تضحكين أمامي بصوتٍ عالٍ ومنطلق ليس فيه أثر لحزن،
هل كنت تتمنين الطلاق، وهكذا تهامسين هذا الشويعر الـ ......
أكيد تفعل ذلك لتستفزني وليس من حقي أن أوقفها،
وإلا أعلنت أمام الجميع خبر طلاقنا،
وأنها فى الحفل بصفتها الشخصية كما هددتني...
يجب أن أنسى أمرها الآن وأفكر فيما يجب فعله بعد الحفل،
وماذا سيكون مصيرى بدونها، هل أكتشف الآن أنه لا عيش لى بدونها،
وأنها نعم الزوجة والحبيبة.
تتجسد أمامى أخطائي كما تتجسد أمامى امرأة مثيرة وجاذبة،
ما يدهشني أنها لم تفقد أعصابها وتنطلق مازحة مع الجميع،
كما أنها لم تفقد وقارها أيضا..
هل اكتفت بهذا الشاب تسلية..!!
ماذا يقول لها فى أذنها فتضحك، وماذا قالت له،
حتى يتجرأ هكذا فلا يعيرني اهتماما.
نسي هذا الصعلوق أنني زوجها، وأنني شاعر كبير يشار لي،
لابد أنها تشجعه عليّ، ربما أخبرته بالخبر المؤسف فانتهزها فرصة،
ونحن الرجال لا نضيع الفرص، والفرص أمامي كثيرة ولكنني عازف عنها،
تشغلني تعاستىي القادمة.
لا أتخيل نفسي افتقدتها وسأعمل كل حيلة لاسترجاعها،
ولا حل سوى أنني لم أكن فى وعي..
آه يا حبي الوحيد لو تدرين كم أحبك،
وسبب حماقتي غرور تملكني بأنني ضامنك ومهما فعلتُ لن أفقدك.
لا يجب محاسبتي على حماقتي وتهوري .
أعدك من الآن ستتغيير سلوكياتي والعمل على رضاك،
وها أنت ترين جلوسي منزويا أشيح بيدي لأي فراشة تقترب،
وعيناي مثبتتان عليك، والنار تأكل قلبي لتهامسك والشاب.
تأكدي أنني سأتغير سترين رجلا أخر، زوجا وحبيبا وحدبا وصوبا،
سيعجبك الرجل الجديد الذى سأكنه، سترفلين فى السعادة التى أصنعها لك
خصيصا،ستكونين ملكة متوجة وسيعلم الجميع كم أحبك واحترمك
وأعلي من قدرك حيث تواجدنا،
أما الآن يا نور العين لا حيلة لى سوى أن أتركك تنعمين بوقتك وأتحرق بشوقي.
حبيبتي يقترب الحفل من الانتهاء وقد أبدعتِ كعادتك بقصيدتك،
وملكتِ القلوب كعادتك، أنتِ حقا شاعرة جيدة.
أنا أيضا اليوم كنتُ موفقا لأنني ألقيت القصيدة التى كتبتها يوما من أجلك،
وألقيتها اليوم من أجلك أيضا،
أكيد فرحتِ بسماعها موسومة بمشاعري الفياضة رغم تظاهرك بالامبالاة،
الكل هنا يعلم أنها لك؛ كتبتها أيام الخطبة، والكل كان مبهورا بالقصيدة حتى أنت..
أتمنى أن تفوز قصيدتي بزهرة الحب لكي أهديك إياها،
وأثبت لك كم أحبك، فتساعدني زهرة الحب على استردادك...
يا الهي لقد فازت بالفعل..!!
وقف منسق الحفل يعلن فوز القصيدة ويسأل:
. استاذنا الفاضل لمن تهدي هذه الزهرة؟
إنها فرصتي حبيبتي لأصالحك.
أهديها لحبيبة عمرى الماضى والمستقبل، أهدي زهرة الحب لزهرة أيامي التي لا
أستغنى عنها أبدا، والتي قدْرها عندي يفوق ما أظهره لها من مشاعر،
تفضلي حبيبتي تسلمي الزهرة.
كأنها البدر مقبلا، بنعومة الحرير أخذت من يدى الزهرة،
شكرتني بإيمائة صغيرة متكلفة..
أمسكت بالميكرفون لتعلن:
وأنا بدورى أهدي الزهرة لفتى الحفل الأول.
......................................

ـ نُشرت فى موقع دنيا الرأى على الرابط التالى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق