عيني عينك
صحا الرجل علي استجواب الملكين:
من ربك..؟
ما دينك..؟
من أنت..؟
وحين اعتدل لم تبصر عيناه.. حرك يده لتبحث في تجويفهما:
- العينان ليستا ها هنا.
بهذا شعرت اليد وأرسلت اشارتها الي مخ الرجل فصاح علي
الفور:
- وا عيناه.. أين عيناي
أيها الملكان.. ألم أغمضهما أمامكما.
- بلي،
ولكن الطبيب نقلهما الي محجري رجل آخر.
قالها الملكان دون أن يظهرا استنكارا أو أسفا.. رد
الرجل:
-
حبيبتاي.. هما دليلاي وشفيعاي يوم الدين.. ماذا حدث لهما من بعدي؟!
رد الملكان في حيدة:
- ما كل هذه الحسرة..
عيناك أنقذتا رجلا آخر من العمي، فسعد هو وأسرته ولك الأجر والثواب.
- أحقا لي الأجر؟! فهل لاتزالان تسهران في مناجاة رب العالمين؟
أريد أن أطمئن علي عيني.
قال هذا واعتمد بكفيه علي ركبتيه لينهض ولكنه سقط.
-
ماذا حدث لساقي أيضا أيها الملكان..؟!
- أخذهما الطبيب لآخر.
- ولماذا أنا..؟ ولماذا ركبتاي..؟!
-
استطاع الآخر أن يخطو بهما في سبيل رزقه بعدما انقطع به السعي.. ولك الجزاء
الأوفر.
-
وا ركبتاه.. وكيف أمشي معكما لأري مصير عيني، وركبتي.
-
يمكننا حملك.. المشكلة أنك اذا خرجت من هنا فلن تستطيع التنفس.
-
لماذا؟!
- أنت
بلا رئتين.
- وا
رئتاه.. ولماذا أنا دون خلق الله بلا رئتين؟
-
أخذهما الطبيب لينقذ بهما آخر كاد يقطع النفس، فلك أجر إحياء رجل.
-
ولماذا لم تحيياني أنا وتحييان رجلا آخر..؟!
-
أنت توقف قلبك فلم يعد للتنفس جدوي.
-
متي توقف قلبي, وقد دخلت المستشفي بالمغص الكلوي.
-
بعد أن استأصل لك الطبيب كليتيك وزرعهما لآخر توقف قلبك لحظات.
-
توقف قلبي..!!
-
نعم وحتي لا يموت بلا فائدة أسرع الطبيب الماهر بنقل القلب وأعطاه لآخر كان في
انتظاره.
-
آخر .. آخر.. وأنا وحرمة جسدي..!!
-
إنها مهارة الطبيب، وانجازات الطب الحديث.
-
وا كليتاه وا قلباه.. بئس هي من مهارة.
-
الطب كل يوم في جديد لك أن تفرح .
-
وهل أخذ الطبيب الهمام شيئا آخر .. قولا .. قولا مرة واحدة.
-
نعم أخذ الطحال، والكبد، والنخاع و...
- إذن
لم يبق سوي الجلد والعظام.
تحير الملكان قليلا وقالا:
- احمد ربك أنك لم تجزأ، وتعبأ في
أكياس.. لكنت الآن ضمن قائمة للأطعمة الفاخرة.
- أطعمة.. فاخرة..!!
- نعم.. لحساب شركة اللحوم
البشرية الأمركية.
- يا سلام.. أيأكلون
لحوم البشر الآن..؟!
-
يبدو أن لحمك المقدد، وسنك المتقدمة وراء حمايتك من هذا المصير.
ندب الميت ما آل اليه الحال، وتذكر جريمة القتل الأولي
حين قتل قابيل أخاه، وحمله علي كتفه ودار به في فضاء الدنيا لا يعرف كيف يواري
جسده، وهو في قمة عجزه ويأسه هذا لم يفكر أن يأكله.. فصاح منفعلا:
-
ولكن هذا ضد الفطرة!!
- التقدم والحضارة أيها
المسكين.. هم الآن يطبخون لحم البشر بعدة طرق، ويقولون إنه أفضل طعام.
- آه يا عيني.. لو كانت
حبيبتاي معي لبرقتا من الفزع.
- وما
يفزعك..؟
- أتحت
وطأة الحاجة يضطر أهلي لبيعي هكذا.. قطعة.. قطعة بلا رحمة..؟
-
لم يبعك أهلك.. فلا تظلمهم.
- تقصد أنهم تبرعوا بي..!!
-
لا.. ولا تبرعوا.. أنت سرقت، كله من فعل الطبيب الحاذق.
- الفقير يسرق يا ناس..!! فأنا لم ألبس ثوبا جديدا في حياتي إلا
كفني.
-
احمد ربك أن لديك ما يسرق، فأنت مجتمعا لا تساوي كفنك، ولكن إذا باعوك قطع غيار
فأنت تساوي الكثير.. والكثير.
-
وما قيمتي بدون أعضائي!!
-
حسبك أن أعضاءك الآن تحيا في النعيم.
-
عيناي تريان بعدي..!! لابد أنهما تنظران الآن الي ما حرم الله.
-
من أدراك..؟
- لأن
من يشتري نعم الغير لا يحسن استخدامها.
-
قد تكون علي حق.. المهم.. أجب عن الأسئلة.
-
أمحاكمة بلا شهود نفي وإثبات.. قوما بحملي الأن.
- إلي
أين..؟
- إلي
شهودي.. إلي عيني ونخاعي وبقية أعضائي، لتعرفا منها كيف كان حالي معها.
هيأ الملكان الآسباب لخروج الرجل من قبره، وكان يضمر في
نفسه أنه بمجرد أن يصل إلي أي عضو له يهجم
عليه ويسترده، ولكن الملكين اطلعا علي سريرته فحذراه لأنه مات وانتهي أمره.. ثم
ذهب به الملكان إلي حيث عينيه:
- ها
هو صاحب عينيك.
- صفا لي حاله.
- يجلس في حجرة مكتب
فخيم، يتصفح أوراقا أمامه، ويدقق فيهما النظر.
-
ماذا في هذه الأوراق..؟
-
حساباته في البنوك، أو حسابات البنوك في حسابه الشخصي.
- وكيف
تنتقل حسابات الناس جميعا إلي حسابه الشخصي.
- هذه
لعبة ذكاء يلعبها بعض رجال الأعمال لحساب أنفسهم.
- ألم
أقل لكما أن عيني في خطر، كانا معى لا يدققان إلا في كتاب الله وسنة حبيبي (صلي
الله عليه وسلم).
-
اطمئن الحكومة لا تتركهم.
-
كيف..؟!
-
تتعقبهم.. فمنهم من تقبض عليه وتودعه السجن، ومنهم من يهرب بالملايين فتضطر
الحكومة إلي أخذه بالحيلة حتي يعود بالمال الذي هربه.
- وكيف
تأخذه بالحيلة..؟
-
تعطيه بعض الصلاحيات، مقعد تحت القبة مثلا.
-
القبة..!! حصانة..!!
صاح الملكان:
- ها
هو الرجل يتحرك من مكتبه، ينادي السكرتيرة.. يقول لها إنه ذاهب.
-
أريد أن أمضي اليوم مع هذا الرجل.. صاحب عيني.
-
انتظر إنه لا يزال يكلم السكرتيرة.. يتفحصها بعينيه.
-
تقصدا بعيني.
-
السكرتيرة تضحك.. تقول له: " يا لجمال عينيك"
- جمال
عيني أنا..!!
-
بل هو يا أخي.
- نعم
.. نعم.. بالتأكيد فهما عليه أجمل.
كل الحوادث مبدؤها من النظر
ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم من نظرة فعلت في قلب صاحبها.
فعل السهام بلا قوس ولا وتر
- أهذا وقت انشاد
الأشعار..!
-
اتبعا الرجل حيث يروح وصفا لي ما يفعل.
- إنه ينظر لكل امرأة في
الطريق، يلفها بلمحة واحدة، حتي تلك التي
تمشي مع زوجها .
- أعوذ
بالله .. وإلي أين هو ذاهب.
- إلي
ملهي راقص.. يغازل الجميلات، يغمز بعينيه لواحدة، يسبلهما للأخري، ويحدق في
الثالثة.. ها هما عيناه تبرقان حين بدت الراقصة بألوان الطيف.. يتابعها وهي تدور
كالفراشة، يظل شاخصا حتي رجع إليه البصر
وهو حسير.. إنه يداعبها بقوله: "عيني عليك باردة"
- حدث
الرجل نفسه بغيظ:
- من
يصدق أن هاتين العينين الزائغتين كانتا لي..!!
والمرء ما دام ذو عين يقلبها في
أعين الغيد موقوف علي الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته..
لا مرحبا بسرور عاد بالضرر
صاح الملكان:
- أما
زلت تنشد الأشعار.. لقد جئنا لسؤالك ولم تجب عن الأسئلة..!
- أنا فعلا أفكر فيما كيف
يكون عليه الحساب !!
- هاتان العينان كانتا معي
صالحتين تدخلان الجنة، هما الآن من أهل النار.ِ
كيف تحرق عيني بذنب غيري.. والأهم من ذلك مع من ستشهدان
يوم الحساب..؟!
هل ستعترفان بأنني أكرمتهما حين نزهتهما عن النظرة
الحرام.
وأن هذا الرجل البصباص يهينهما..؟ أم ستشهدان بأنه
متعهما..؟
دلاني كيف يكون الحساب..؟
- لا شأن لنا بما تفكر فيه، ولا بهذه الفلسفة، فلنا مهمة
محددة.
-
ولماذا لم يأخذ الطبيب الماهر عقلي أيضا حتي لا أفكر، ولساني حتي لا أجيب عن أي
سؤال..
فكرة جميلة تربط ما بين الدين و الدنيا
ردحذف