الأحد، 4 نوفمبر 2012

يا لك من أخ: قصة بقلم الأديبة والكاتبة الصحفية نادية كيلانى


يا لك من أخ
سنلتَقِي، أُقسِم أنَّنا سنلتَقِي، منذ أنْ قلت لي: سوف تأتي،
وأنا أشعُر أنَّني سألقاك.. على أرضي، على أرضك،
في الحياة الأخرى، سنلتَقِي.
منذ عرفتك عن طريق الوسِيلَة الجديدة للتعارُف المسمَّاة "النت"
أو "الشبكة العنكبوتيَّة"،
وأنا أشعُر بك وبقربك وبقدومك القريب.. هي شبكةٌ أدخلَتْنِي
عالمها، وفي شباكها العنكبوتيَّة لا يكون الفكاك منها.
ولكنَّا لا نريد فِكاكًا، مُنصَهِران في جوفها، مُعتَكِفان بداخلها،
مُؤمِنان بمنهجها.
شيء خيال من وَراء الخيال، من وراء العقل، لا يُمكِن لأحدنا
أنْ يُقاوِم هذا السِّحر، وهذا الشِّعر، وهذا الفرح،
وهذا التخيُّل الجنوني.
أحبُّك، قلتُها لك ألف مرَّة، حكيت لك كلَّ ظروفي،
أنتَظِرك مهما طال العمر، وأنت أيضًا حكيتَ لي عن أحوالك.
متزوِّج نعم.. عندك البنين والبنات نعم.. وماذا ينقصك؟
• أنا شاعر متَّقِد الرُّوح، متمرِّد، أشياء كثيرة أحتاجُها من الأنثى،
مَن تستَوعِبها تكون؟! و... كنت أنا.
اشتَعلت الجذوة.. كلَّ يومٍ تشتَعِل.. ويَزِيد اشتعالها، وإذا باللهب
يَتطايَر.. اللهب من مصر إلى فلسطين،
من غزَّة إلى القاهِرة، فما يُجدِي الصبر، وما ينفَع العقل،
وكيف يكون التصبُّر؟
رجال الإطفاء أنفُسُهم لا يستَطِيعون بخراطيمهم الضخْمة
ومياههم الغزِيرَة إطفاءَ النار في الحال،
لا بُدَّ من الوقت، ومن الصبر، ومن الأَنَاة.
غنَّاني شعرًا، وغنَّيتُه نبضًا، نثرني على صفحات "الماسنجر"
ونثرته وردًا وحبًّا، ولما فاضَ كيله أعلَنَها:
قادِمٌ إليك لتتمَّ فرحتي.
• وماذا تفعل بالزوجة والأولاد؟
• اؤمري؟
ياااااه، عذاب آخَر فوق العذاب! أطلب أنْ يتخلَّى عنهم ويموت
ضميري! لا أقبَل أنْ أحرق كلَّ هذه القلوب من أجل قلبي.
• وقلبي أنا.
• يا إلهي! زوجة ثانية.. وهل كنت أتخيَّل هذا في يوم؟!
أنا المدلَّلة عند أهلي.. أنا التي طلبني أفضلُ الشباب في بلدي
أكون زوجةً ثانيةً في بلدٍ آخَر.
أين ما كنتُ عليه من إباء؟! من كرامة؟!
الآن أرضَى بنصْف رجل رغم أنَّه كلُّ الحب.
وعمري الذي ضاعَ في انتظاره.. ومَن رفضتُهم وفيهم مَن يَفُوقُه
وسامةً، وثقافة، وثراء،
وفوقَ كلِّ هذا خلوهم من المسؤوليَّات! يا رب،
أأنتَ كتبتَ هذا الشَّقاء عليَّ أم شيطاني استدرَجَنِي؟
لِمَ خصصتَني بهذا المصير المأزوم؟ ألأنَّني لم أتَّبع منهجك،
ولم أسدَّ باب الذرائع؟! فتحتُ على نفسي أبوابَ جهنَّم..
جهنَّم في الدنيا، فهل يجتمع عليَّ ناران: الدنيا والآخِرة؟!
ما العمل يا رب العالمين؟ إنَّه في الطريق؛ فتحت حدوده
ومنطلقٌ الآن بحقيبته، قادِمٌ بشوقه، تَسبِقه لهفته!
يا رب، ما العمل؟! كيف سيصل إليَّ؟!
مَن سيكون في استقباله؟! أنقذني يا رب.
يا إلهي!
يا لها من فكرة جهنميَّة!
أخي.. كم من مرَّة عرَض عليَّ المساعدة، وردَّد:
• إذا شعرتِ بأنَّني أخوك فاحكِ لي.
يبدو أنَّه كان يَشعُر بما أُعانِية كلَّما رفضت
عريسًا لا يُرفَض يُكرِّر كلامه.
حان الوقت، أحكي له الآن، أيوجد غيره يذهب ليُقابله
ويأتي به إلى البيت، ويُقدِّمه لأبي ويُدارِي عليَّ،
ويُؤيِّد طلَبَه قبلما يأخذ أبي فرصةً للتفكير.
والأهمُّ أنْ أكون بعيدةً لا يشكُّ أحدٌ في أمري،
وكأنَّني أراه لأوَّل مرَّة ويَراني، هي فعلاً أوَّل مرَّة،
وهل تَبادُل الصُّوَر يُغنِي ويُعَدُّ مشاهدةً؟!
كم أحببتُ صورته وعشق صورتي!
هو قادمٌ من أجل صاحبة الصُّورة؛ لكي يجمع الصورتين في
واحدةٍ مزيَّنة بفرحة الأهل.
أهلي سيُرحِّبون بمساعدة أخي، حتى وإنْ عرفوا فيما بعدُ أنهم
أُرغِمُوا على الموافقة،
أمَّا إذا رفَضُوا فسأُهدِّد بترك البيت.. ربما بالانتحار.. ربما
بالزواج منه رغمًا عنهم.. ربما.. وربما..
أي تهديدٍ يُخِيفهم مِنِّي عليَّ ويجعَلُهم يُوافِقون رغم ظروفه.
قال أخي: أحتاج لكلِّ التفاصيل.
إصغاؤه شجَّعني على الاستِرسال، وبكلِّ جوارحه استَوعبَنِي،
وقف على القصَّة من بدايتها لنهايتها.
وقَف على تفاصيل التفاصيل، تعرَّف على الجمل الرئيسة
في حواراتنا، والأيقونات التي نَتبادَلُها،
فرحت جِدًّا باهتِمام أخي واسترسلت.
صحيح، إنَّه الأخ!
مَن غير الأخ للبنت؟! هو سنَدِي في الحياة، وبئر أسراري،
عُكَّازي وهنائي وكل ما لي.
هو الذي سيزفُّني إليه.. هو.. هو.
قال أخي بعدما سمع واستوعب: لا مانع، متى الوصول؟
ذهب أخي وبقيت بالبيت أنتظره، باللهفة أنتَظِره، بالشَّوْق
أنتظره، أستَرجِع حواراتنا المكتوبة وأنتظره.
طال الوقت، وفقدت القدرة على الانتظار.
رَنَّ التليفون، صوت أخي.
• اطمئنِّي، كلُّ شيء على ما يُرام، أنا في الطريق.
• يا الله! نال إعجاب أخي، هو نال إعجابي من قبلُ،
لا بُدَّ أنَّه مميَّز للغاية، لا بُدَّ أنه إنسان خارِق،
إنسان رائع، إنسان "سوبر".
اللهفة أعجزَتْني بدلاً من أنْ أنتَقِي فستاني بركتُ كالجمل،
نمتُ في السرير، الرعشة تملَّكتْني،
انزعاج أهلي جعَلَهم يستَعِينون بكلِّ بطاطين البيت.
• يا رب، لا أتخيَّل اللقاء.
أخيرًا سمعت رنين جرس الباب.
سمعت صوت أخي مع والدي.
لم أسمعه يقدِّم أحدًا.
قال والدي:
• أختك مريضة.. أحضر طبيبًا.
• سأراها أولاً.
دخل أخي حجرتي مبتسمًا، جلس بجواري وأنا أنتفض.
• اطمئنِّي، كلُّ شيءٍ على ما يُرام.
سألتْه عيناي بدهشة: أين هو؟
• رجع من حيث أتى.
اتَّسعت حدقتا عينيَّ!
• وجدته غير مناسب، تصرَّفت.
جززت على أضراسي.
• ولا تخافي، لن يتَّصِل بك مرَّة أخرى.
تحرَّكت رأسي!
• أفهمته أنَّ التي كانت تُكلِّمه طوال الوقت هي أنا؛
انتَحلتُ شخصيَّة أنثى وكانت لعبة ممتعة.
قعدتُ على فراشي وضاعَتْ مِنِّي الحمَّى، ونطق لساني:
• وصورتي؟!
• بسيطة، أفهمتُه أنها لفَتاة لا أعرفها.
• ولماذا فعلت هذا؟
• من جملةٍ جاءت منك عفوًا:
• إنَّه قادم فكيف نخذله؟! لم نخذله، أفهمناه أنها لعبة.
• وماذا فعل؟ دهش في البداية، ولكنَّه ضحك، ضحك كثيرًا
وعاد أدراجه!
......................................

ـ نُشر فى موقع دنيا الرأى على الرابط التالى
http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2012/11/08/276198.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق